بعد أن انتهى من دوامه توجه للمقابر و سار بينها حتى وصل إلى قبرها فوقف عنده و ظل ناظرا إليه طويلا فى صمت... ثم جثى و شرع فى الحديث فغلبه البكاء...حتى إذا هدأ قليلا حدّثها و دموعه تنساب : (( أعلم أنى تأخرت كثيرا....أعلم أن خوفى قهر اقدامى....كنت كلما أخذت خطوة فى طريقك تراجعت عشر خشية أن تردينى...كم كنتُ غبيا....ها أنتِ الأن أمامى و لا يمكننى أن أراكِ ,أُكلّمكِ و لا يمكننى أن أسمعكِ.....كم كنت أتمنى لو تعرفى ما بى.... أن تعرفى كم تمنيت أن أخبرك أنك أنتِ التى أريدها بجانبى بقية العمر...أن تعرفى أنى كنت أتتبعك أسأل عن أخبارك...أفرح بما تفرحين به ...و أحزن لما تحزنين له.... كم أتت علىّ ليال ضاقت علىّ فيها نفسى فكنت أنظر للسماء و أسألها عنك ....أسألها إن كنتِ ناظرة معى نفسَ النجم فيكون ما أراه فى النجم هو انعكاس ضوئك...أسأل السحاب إن كان قد أوصلك رسائلى السابقة....أسأله إن كنتِ قد حمّلته برسائل إلىّ...فيظل صامتا...أرجوه أن يكتب اسمك لى على صفحة السماء فيكتب لى أسامى كثيرة إلا اسمكِ... تجمع مرة وكتب اسمك و لكننى كذّبت عينىّ...و كأننى كنت أخشى أن تكونى حلما بعيدا لا أتمّكن من الوصول إليه...و لكن ما الفرق الأن... كنتُ حينها وحدى و ها أنا الأن أيضا وحدى و بدونك و بدون أى فرصة للوصول إليك....سامحينى إن كنت قد خذلتك...سامحينى فلم أكن أعرف أنك كنتِ تنتظرينى...تعلمين أن حاملى الأسرار قد يكشفونها بعد موت أصحابها...و قد كشفها لى من أسررتى إليه بأمرك عنى....كم أتمنى لو كان قد كُشف لى قبل أن تنتقلى فكنت أقدمت بلا تردد و بلا خشية فى فقدك....كم تمنيت أن أرى وجهك وأنا أخبرك أنى أتمنى أن تكونى لى سكنا....أعلم أن الوقت قد فات...و إن كنت قد ترددت من قبل و فقدتك....فاليوم لن أتردد و أفقد وجودك حية فى قلبى حتى و إن كنت ببعد أخر فإنى أعلم أنك تسمعين مقالتى...فلتطيبى و ليطب مثواكى يا من كنت أتمناها لى سكنا))
قام مهموما.. عاد لبيته و قد خف عنه ثِقل سره لكنه حمل معه ثقل فقدها, لم تفلح محاولاتهم فى التخفيف عنه فلجأ لبعض النوم الذى أتى بعد محاولات مُضنية...فأتته فى نومه :
(( لا يا مُحدّث السماء لم يفت الأوان....لنا دار أخرى لنا فيها خلود... ما فاتنا هو دار الفناء فلا تحزن عليها...يوما ما ستأتينى ...و ستجدنى كما كشف لك حامل السر...بانتظارك.....فمن الناس من قُدر لهم لقاءٌ بالدنيا و فراقٌ فى الأخرة و منهم من حُرموا من لقاءٍ بالدنيا و بُشروا بلقاءٍ فى الأخرة...و منهم من نَعمَ باللقاء فى الدنيا و فى الأخرة ...و كلها من قدر الله فأبشر و طِب لله نفسا حتى تأتينى....فإننى بمكان لا يسكنه إلا الطيبون))
29-7-2010