الثلاثاء، 11 أغسطس 2009

"أهو تغير"

في فناء تلك المدرسة العريقة جلست مني في نهاية اليوم الدراسي تنتظر ابنتها وسام التلميذة في الصف الثالث الإبتدائي لتصحبها إلي المنزل و من حولها أخذ التلاميذ الذين خرجوا مبكرا قليلا من الفصول الأخري يجرون و يلعبون أما من تواجد من طلاب الاعدادية و الثانوية فقد تشكلوا علي هيئة مجموعات اتخذت كل واحدة منها لنفسها ركنا تتعالي فيه الأصوات و تتلاقي فيه الكفوف تنظر مني يمينا تارة و يسارا تارةأخري ....من بعيد ظهرت شيماء جارتهم و زميلة ابنتها في الصف و لكن بفصل أخر و هي تحمل حقيبتها الثقيلة علي ظهرها و تلك "الزمزمية" التي طوق حبلها رقبتها و استقرت "الزمزمية" فوق بطنها ...عندما رأت شيماء "طنط" مني -هكذا تناديها- جرت نحوها لتسلم عليها ثم جاء أصدقائها ينادونها للعب قبل أن يأتي والد شيماء و يصحبها للمنزل فتركت حقيبتها جانبا و ذهبت معهم يلعبون المساكة يتسللون بين هذا و ذاك يفرون من بعضهم البعض .....و بينما تجري شيماء و تحاول الفرار إذا بها تصطدم بولد صغير أسمر اللون وقصير ...بشعورها الطفولي شعرت تجاهه بالأسف و الألم فقد اصطدم و جهه بتلك " الزمزمية " الصلبة و أوقعته أرضا فوقفت شيماء و ساعدته علي النهوض و ربتت علي كتفه و قالت له بكل براءة : "أنا أسفة...ما تزعلش..أنا أصلي ما أخدتش بالي" قالتها و كانت تظن أنها قد سوت الموقف و أنه لا داعي للقلق و أكملت الجري مع أصحابها و بعد قليل شعروا بالتعب فذهبوا للجلوس بجانب الحقائب و هناك و جدت شيماء زميلتها وسام ابنة مني و تجاذبا أطراف حديث طفولي عن المدرسة و الدراسة و المعلمين و بينما هم كذلك إذ بإمرآة لا تعرف من أين ظهرت تشير إلي شيماء و تصرخ بغيظ سائلة ذلك الطفل الأسمر الصغير:"هي دي اللي وقعتك"...أومأ الطفل برأسه مظهرا الإيجاب و لم تستوعب الطفلة ما يحدث فقد إنهالت المرأة بكفوفها الثقيلة علي وجهها الصغير و بصوتها الحاد المزعج تفوهت بعبارات التوبيخ المؤلمة ...نظرت شيماء بعيون حائرة تبحث حولها عن من ينقذها من أيديها المتلاحقة صفعاتها...عندما تجمع الناس أخذوا يهدئون تلك السيدة و كأنها الضحية لم يفكر أحدهم بتلك الطفلة التي أهينت أمام أصحابها ... كادت الدموع المتجمعة أن تفر من مقلتيها شعرت وكأن حلقها سد من شدة كتمها البكاء.... شعرت بالضعف..بل شعرت باليتم ...نظرت علي استحياء نحو "طنط" مني كانت تنتظرمنها أن تدافع عنها إلا أنها بدت و كأنها لم تعرفها من قبل علمت الطفلة وقتها أنها وحيدة وانه لا يوجد من يهتم لها...نظرت فى عيون تلك المرأة بغيظ و تحدي و صرخت في وجهها بصوت مرتعش: "هو قصير و أنا ما شفتهوش ...هو أنا اللي خليته قصير" بدا كلامها طفوليا للغاية إلا أنها شعرت و لو لثانية أنها دافعت عن نفسها قد تعلم أنه كان دفاعا ضئيلا لكنه بالنسبة لها أفضل ألف مرة من أنها تقف ساكنة مستسلمة .... أخذت حقيبتها و نظرت لمني نظرة جعلت مني تهرب بعيونها من عيون تلك الصغيرة و سارت ناحية باب المدرسة لتلقي أباها الذي وصل أول ما وصلت هي للباب سألها :" ليه ما استنتيش جوة" طبعت علي و جنته قبلة و قالت له:" أهو تغير"

12-8-2009