الاثنين، 28 سبتمبر 2009

لا تدرى (19)...رسالة من الماضى

اليوم هو الأول من ديسمبر2048 الساعة الأن التاسعة مساءا جلس أمام المدفأة على كرسيه المتأرجح و قد تسللت الشعرات البيضاء لرأسه بعدما كانت يكسوها السواد من وقت ليس ببعيد...و طرقت التجاعيد وجهه وكفيه...وبيده تلك الورقة الصفراء التى حافظ عليها خمسة وعشرين عاما بعد أن أهدتها له أمه فى ذكرى ميلاده العشرين.... لازالت تفوح منها تلك الرائحة التى تبعث فى قلبه الحنين ....لازالت الكلمات تحتفظ بمظهرها الأنيق...لازالت الحروف تبدو وكأنها تنطق...لازال وجهها يظهر خلف الكلمات وهى تقول له: لقد انتظرت هذه اللحظة طويلا... ذكرى ميلادك العشرين ...لكم كبرت يا ولدى...و أهدته صندوق خشبى أنيق بداخله ورقة مطوية بدت عليها اثار الزمن ثم قالت له لا تقرأها الأن....اقرأها فى ساعة صفاء انتبه لصوت الساعة أمامه تدق التاسعة و النصف ثم بدأ يقرأها لقد قرأها من قبل عدة مرات لكن اليوم و كأنه يقرأها لأول مرة

--------------------------------------------

بنى الذى فى المستقبل السلام عليك ورحمة الله وبركاته أكتب اليك و لقائنا لم يأت بعد... اليوم قد أتممت أمك سبعة عشر عاما ولازلت أنت فى علم الغيب أكتب اليك ولازل بينى وبين رعشة الكفوف وتجاعيد الجفون وقتا قد لا يطول ....لا أعلم ان كنت ستجئ للدنيا لتقرأ تلك الرسالة أم لا و ان قدر لك المجئ و قرائتها لا أعلم أستقرأها فى حياتى أم بعد مماتى...بنى الحبيب اعلم ان أمك اشتاقت اليك كثيرا لكنها تعلم ان عليها ان تستعد للقائك و لا تدرى هل استعدت لذلك أم لا فكل يوم هناك جديد.. قد أبوح لك أنى الأن خائفة ألا أكون على قدر مسؤلية رعاياتك...ستشعر بما أقول عندما تكبر ...اعلم بنى أنى الأن لدى أحلام وطموحات قد تتحقق وقد لا تتحقق...فلتذكر هذا اذا أفنيت عمرى فى تربيتك و تركت أحلامى وطموحاتى لتصبح أنت مشروع حياتى....قد تبدو الحياة يا بنى صعبة و كبيرة علينا لكن ما دام قدر لنا الوجود فيها فاعلم أنك لم تحمل الا ما تطيق فتعلم كيف ترضى فى الشدة و كيف تشكر فى الرخاء و استشعر معية الله معك فى كل نفس تتنفسه...و اعلم أن الرجال ليسوا رجالا بقوتهم انما هم رجال بحكمتهم فتعود الحكمة فى طلبك للعلم و فى سعيك للرزق وفى عفوك مع الناس...وكن نقى القلب صادق القول فان الصدق نجاة...ولتذكرنى بعد موتى وأنت مبتسم حتى وان نزلت دموعك وتذكر أن الدنيا ليست مكاننا و أنك راحل فاترك فى هذه الدنيا ما لا يدعك وحيدا اذا تركتها


أمك الصغيرة

1-12-1980

------------------------------------

من قبل كان يبكى عند قرائتها لكنه لم يكن يشعر بتلك المرارة فى حلقه....فتلك هى المرة الأولى التى يقرأها وقد رحلت عن دنياه...ضم رسالتها الى صدره وكأنه يضمها اليه كما كانت و هى ابنة السابعة عشر عاما .... دخلت عليه ابنته فلما رأته هكذا ورأت رسالة جدتها مسحت دموعه وقالت له ألم تقل لك جدتى من قبل ابتسم حين تذكرنى حتى وان نزلت دموعك...ابتسم يا أبى فأمامك ثمرة عنائها فى بنائك لولا أنها عودتك الخير فى صغرك ما كنا تعلمنا منك فعل الخيرات و حسن الأخلاق..ابتسم يا أبى فقد علمتك كيف تحيا فى الدنيا ثم جاء الوقت لتحيا هى بوطنها فكما قالت لك من قبل الدنيا ليست مكاننا



28-9-2009